تل الزعتر محطة من محطات كثيرة في تاريخ اللجوء الفلسطيني التي لم تحظ بالبحث والتوثيق الكافيين لحفظها. ولو حاولنا مقارنة مجزرة تل الزعتر بسواها من المجازر لوجدنا، إضافة الى الأهداف والمنفذين، سمة مشتركة أخرى بينها وهي «الافلات من العقاب». وعندما يمر المرء بالطريق العام المحاذي لتل الزعتر اليوم فلا شيء يدل على وجود حياة سابقة هناك. منطقة وعرة تنتشر فيها بعض المصانع وصمت ورهبة يطبقان على المكان. هنا سفكت دماء بريئة ببرودة أعصاب، واغتصبت نساء وأذل الشيوخ على مرأى من أبنائهم، ولا يزال المجرمون طلقاء يجولون بيننا.
في 12 آب 1976 تحوّل تل الزعتر الى أسطورة تتناقلها المخيمات كلها. مَن لا يعرف أبو أحمد الزعتر، ومن لم يسمع بقصة البئر ومدرسة الدكوانة وأبو الفدا؟
قصة حسين عيادي (71 عاما) ابن مدينة حيفا الذي انتهى في مخيم نهر البارد المنكوب حديثا تلخص قسوة اللجوء ومرارته. يقول عيادي انه لم ير يوما هنيئا في لبنان. ويصر حين يُسأل عن تل الزعتر أو عن نهر البارد أن يبدأ قصته من حيفا التي غادرها وهو في السابعة:
«يوم ضربت الطائرات حيفا، كنت أشوف الناس تركض وأسمع الضرب، ومن يومها ما هدي بالنا، اخذتنا إمي على عكا، وهناك اغارت علينا الطيارات، فهربت إمي فينا على شعب. وبعد شهر هاجم اليهود قرية البروة القريبة من شعب».
تابع أفراد عائلة عيادي طريقهم الى الدامون، وهناك أيضا طاردتهم طائرات اليهود فهربوا الى قرية حرفيش الدرزية. بقي حسين مع أمه في كروم الزيتون من دون طعام أو ماء، ولم يلبث أن غادر مع أمه الى الحدود اللبنانية. ثم نقلوا إلى منطقة المسلخ، واستأجروا كوخا عاشوا فيه شهراً الى أن نقلتهم الأونروا الى تل الزعتر.
تبدأ رحلة حسين عيادي من مخيم تل الزعتر، فيروي:
«نقلونا على تل الزعتر في شوادر. كان وقتها أول الشتوية، والوحل للركب، أرض حمرا والهواء يطيّر الشوادر. يعني طلّعونا من مرض جينا على مرض ثاني. وما شفنا يوم هني. قعدنا ست شهور بالشوادر. وبعدين في بداية الصيف بدأ الدرك ينقل الناس الى داخل المخيم. وقعدونا بغرف تنك. يعني من تحت الدلفة لتحت المزراب: تسكر الباب، بالليل الهوا يطيّروا ما تلقى باب. وشغل ما في...».
يتابع حسين قصته:
«التنكة تصير تدلف بالليل نيجي نغيّرها، يجيلنا الدرك. تغيير تنكة بدها استدعاء»؟
لكن مضايقات المكتب الثاني لم تتوقف عند هذا الحد، بل كان عناصر هذا المكتب يجولون بين بيوت المخيم ويترصدون من يستمع الى اذاعة صوت العرب أو اولئك الذين يستمعون إلى خطابات جمال عبد الناصر فيعتقلونهم.
تقول آمنة الشمس (مواليد سنة 1955):
«دق المسمار كان يكلف سجن، واذا مَرَه شطفت البيت وكبت المي على الطريق، يغرمها الدرك خمس ليرات».
واستمر هذا التضييق حتى أوائل السبعينيات من القرن المنصرم حين تنفس أهالي تل الزعتر الصعداء مثل أهالي المخيمات الأخرى، وبدأت مرحلة جديدة عنوانها الأمل بتحرير فلسطين. وسرعان ما صار في إمكان اللاجئين العمل في داخل المخيم وتمتعوا بالتخلص من سقوف التنك وبناء البيوت من حجر. وتضيف آمنه ان امها سمّت طفلتها الجديدة كفاح:
«صرنا نغني لفلسطين بحرية، وبتذكر يوم توفي عبد الناصر شعرت بضياع الأمل، وطلعنا مسيرة عالنبعة. بس لحقنا الدرك. كنا نغني ونهتف:
وين رايح يا جمال... تاركنا بساحة القتال
بعمان الدم سايل والضحايا تلال تلال
ليه ما كفيت المسيرة وفلسطين بعدها أسيرة».
لم تخلُ هذه المرحلة من المشكلات، فقد شهدت صعود اليسار بين الطلبة الفلسطينيين، وإقامة معسكرات التدريب في سوريا والأردن، وألهبت العمليات الفدائية الأولى حماسة الشبان الذين انخرطوا في صفوف المقاومة. وفي هذه الاثناء بدأت المناوشات بين عناصر من الكتائب والجيش اللبناني من جهة والمقاومة الفلسطينية من جهة أخرى، وقُصف مخيم تل الزعتر بالمدفعية أول مرة في حودث أيار 1973.
كان حسين عيادي من بين اولئك الذين ذهبوا إلى الاحتفال المركزي في الملعب البلدي، لكنه تخلف عن العودة في الباصات لشراء بعض الحاجات من ساحة البرج. وتذكر آمنة انها كانت مدعوة مع كثير من الأهالي الى عرس جارهم محمد كروم، وقد ألغي العرس وتحول المخيم الى قاعة عزاء كبيرة جراء عدد الضحايا الذين سقطوا في مجزرة الباص في عين الرمانة. ويصف حسين عيادي الحصار كالتالي:
«تحاصرنا، اللي يطلع ما يقدر يرجع، واللي يفوت ما يقدر يطلع. امتد الحصار شهرين ونحن نتنقل من ملجأ لملجأ. وصار في جرب في الملاجئ. والقذائف زي المطر، فجأة هبت الحرب على المخيم. صارت القذائف تنزل على البيوت، وصار البقاء على قيد الحياة مقاومة عسيرة بعدما نفد الخبز والماء من المنازل». ويروي حسين عيادي بعض ابتكارات الأهالي في تأمين الحاجات الأساسية كالخبز والماء والتبغ فيقول:
«كنا نلف الدخان بورق دوالي، والشاي كنا نلفه دخان بورق أكياس الترابة، لان ورق كيس الترابه فيو زيت، واستنتجنا انو السيجارة بتظلها سايقة (يطول اشتعالها). أكل ما في. في عنا مخزن عدس في تل الزعتر، كنا نسلقه سليق بدون ملح أو زيت فقط سليق ونأكله. بعض الناس صاروا يطحنوه ويعملوه خبز، مع انه مر بس حتى ناكل... كان واحد عنده نص غرفة مليانة تمر، كنا ندور وين في خبز عشان نطعمي الأولاد، يوم رحت عنده فما لقيته، خلعت الباب ولقيت 12 كيس تمر. أخذت واحد وحطيتو على كتفي وسكرت الباب وطلعت. رحت عالملجأ. الناس مش شاربة شاي من شهرين. لما فتت وزعنا لشي عشر عيل شوية تمر، وقلتلهم اليوم بدكم تشربو شاي! قالوا من وين؟ لا في شاي ولا سكر! قلتلهم هاي حبة التمر بتحطوها بتمكم وبتشربو الشاي. وقعدنا اسبوع نشرب شاي مع التمر. مرتي كانت تشتغل بفرن لفتح، يطلعلها نص رغيف، كنا نقسمو بين أربع ولاد، كل واحد لقمة. في يوم قلتلها يا إم عادل الولاد رح يموتوا. مرة أخوي أحمد عندو بنت كانت بالجبهة، قلها جيبيلنا شوية خبز حتى تاكلوا. ما راحت والا قالولنا إنضربت عالطريق. رحت جبتها أنا ومرتي ودفناها دغري. ما راحت عالبيت: في متجر حد الفرن، بحشنالها شي نص متر ودفناها».
نفد الأكل والماء وحتى ذخائر المقاتلين المدافعين عن المخيم. القتلى يسقطون بالعشرات وامتلأت الملاجئ بالتوابيت، وبات هم الأهالي كيفية انقاذ الأطفال. انقطع التواصل مع الخارج، وبات المخيم أشبه بجزيرة لا يأتيه من الخارج إلا القذائف. كان الحصار المحكم منظما. ويشرح حسين عيادي عن تجربته في جلب الماء من البئر التي كانت هدفاً للقناصة:
«كنا لما نعبي مي نعيّن الساعة 2 بنص الليل. بيكونوا نايمين. قلنا هني بشر ما بينعسوا؟ فى بير بعيد ومكشوف. كانت المره تروح لهونيك. قلتلها هالمرة أنا بدي أروح عنك. أخذت الحبل ورحت، ميت ويلاه وصلت للبير من شدة القصف، وأنا عم بنشل مي، علق السطل تحت. وأنا عم بشد فيه ولا جاي مره كردية قالت شو؟ قلتلها أعطيني سطلك أشد سطلي هاظ. ما أخذت السطل منها ولا تيجي فيها رصاصة. قالت أخ وصارت نصها تشد بالحبل قامت نزلت بالبير. لما شفت هيك قلت كنو القناص معين هون، قمت دشرت السطل وفليت».
بعد خمسة وخمسين يوماً أدرك الأهالي أن نهاية المخيم آتية لا محال، خاصة بعدما سقط جسر الباشا والكرنتينا. وفي صباح يوم خميس تجمع حسين وأهله وأقاربه وتوجهوا الى الدكوانة. وكانت المغادرة على دفعات، فأضاع كثيرون بعضهم على الطريق. أعار شقيق حسين ابنته الصغرى لحسين كي لا يراه عناصر الكتائب وحيدا فيقتلوه. وفي هذه الأثناء دخلت عناصر الكتائب وحزب الأحرار وحراس الارز الى المخيم، وكانوا يسيطرون على جميع الطرق المؤدية اليه بحيث لا يفلت منهم أحد. وهنا يكمل حسين عيادي شهادته:
«كانوا عاملين عالطريق كمين. والمسؤولون كانوا كل اثنين يروحوا من طريق عشان ما نظل مع بعض، إخواني راحوا وضوعنا بعض. كل عشر امتار قتيل. أنا كنت حامل البنت زي واحد سكران وماشي. في واحد كان معو برودي (من المقاتلين اليمينيين) كان بدو يطخنا فصاب الزلمة. قامت إجري زلت (زحطت) عالممر ففلت الصباط من إجري ظليت ماشي ما حكي معي. بعدين كملت عالشارع، في شخص إسمو ممدوح أبوه من البداوي. كان بالهلال الأحمر لابس جاكيت بيضاء وحاطط تحت باطو كيس ورق. وصلنا عالكمين قالوا أهلا وسهلا بالدكتور! عامل حالك دكتور؟ قلّو دخيلك أنا ما دكتور، أنا شغيل. قلّو قرّب! حطّو حوالي 5 أمتار أشار إليه بالبارودة حتى صار بزاوية البناية وقتلو. وقع شي متر لورا. أنا ماشي.. بعدين قالولنا: قولوا عاش شمعون. نقول زي ما بدهم. مشيت. قلت بدي أطلّع وين وقع الزلمة، ولا كوم بنادمين مرمى عليهم. مشيت والبنت كامشها. في واحد لقدام كمين ثاني، لقيت مره كامشه مسدس بتقول: ولله محل إبني غير عشرة. إجا زلمي قدامي أحمد حميد، قالتلو أهلا أهلا إنت بتبيع أواعي؟ انت اللي كنت تيجي تبيع أواعي. صار يترجاها. قالتلو صف على جنب. قام صف وحط ايده على الحيط وقوصتو. واحدة ثانية إجت وحاملة مدقة كبة ضربته على راسو من ورا فطرق راسو بالحيط. قالتلنا كلكن بدكن تتفرجوا عليه. ظلت تضرب فيه بمهدة الكبة لحتى مات. قالت هذا محل إبني. بدي بعد تسعة. بعدين قالت روحوا يلعن أبوكوا. ويبزقوا علينا. ظلينا ماشين لوصلنا على ساحة الدكوانة».
كانت نقطة التجمع في مدرسة الدكوانة المهنية (الفندقية) على أن يتكفل الصليب الأحمر بنقل أهالي تل الزعتر الى بيروت الغربية. وبينما الأهالي ينتظرون يصف حسين بعض ما جرى هناك:
«قالوا يالله تعوا إطلعوا وتفرجوا على الزعيم تبعكم (علي سالم). طلّعوا الناس عالسّاحة: كانوا رابطينو من سيارة لسيارة، وشلخوه شلختين. وبعدين بس طلعنا صاروا يشدوا ناس: ياخذوا واحد من هون ومن هون. الناس تترجاهم، كل واحد طويل أو كان ناجي ومتخبي بين النسوان، رجعوا أخذوه. ظلينا هيك لإجت السيارات، صاروا يسبونا ويبصقوا علينا».
تتقاطع رواية حسين عيادي في هذا المشهد مع شهادات على لسان القتلة يظهرها شريط فيديو أعده المنفذون ونشروه على شبكة الانترنت. يعلق الراوي على صور الشاحنات التي تحمل اللاجئين مبرراً المجزرة بقوله:
«ما كان فينا نعمل غير هيك... لو ما حملوا سلاح بوجهنا ما كنا حملنا سلاح بوجهن، ولو ما عملوا متاريس وداروا رشاشاتهم صوبنا، ما كنا قوصنا عليهم. مش نحنا الموجودين عندهم انما هني اللي كانوا موجودين عنا، ومش نحنا اللي حرقنالهم بلادهم، انما هني اللي حرقولنا بلادنا. وبالرغم من كل اللي صار، طبقنا الأعراف الدولية واحترمنا الأنظمة العالمية وإجا الصليب الأحمر ونقلناهم من تل الزعتر... وبنطمنكم انو بكرة رح نعمل بغير تل الزعتر مثل ما عملنا بتل الزعتر. ورح ننقلهم من كل أرض لبنان.»
تظهر مشاهد الجرافات التي بدأت جرف المخيم على الفور وتسويته بالأرض. ثم يختتم الفيديو بمشهد السيارات وهي تدور بالأهالي في الساحة، لكن حسين عيادي يتابع رواية ما لم تصوره الكاميرا آنذاك فيقول:
«إجا نصيبي بسيارة. أخذونا من سن الفيل. يزتّوا علينا سطول الزبالة من البرندات، ويبزقوا علينا.. إهانات، ويسبونا مسبات ثقيلة. وكل 100 متر واحد مقتول مزتوت عالشوارع طول الطريق.. لوصلت عند اوتيل ديو. حد طرمبة بنزين كانوا هناك عاملين حاجز. قلت هون ما عاد في شي! قالوا يالله انزلوا عالطرمبة في تفتيش. فتنا عالطرمبة، مطرح ما بيغسلوا سيارات، وبلشوا يقوصوا على إجرينا. قالولنا: إمشوا الحيط الحيط. نمشي الحيط الحيط صف واحد. يسبوا علينا يقولولنا: يا عكاريت. إعملوا طابور زي ما كنتوا تعملوا طوابير. في الطرمبة مكتبة. واحد واقف هناك، كان معي شي 10 زُلم ، وكلهم معهم ولاد. وأنا كنت بالنص وفي خليل الطبش وغيره معي. قال يالله ولاه.. تعي ولي خذي الولاد من هون. إنت عالمكتبة. روحي من هون على ياسر عرفات تبعكم. إجا دوري. أنا بوصلتي لعندو وصلت شاحنة مليانة. إلتهوا فيها يالله إنزلو.. إنزلو. إتطلعت عالمكتبة من الطرف الثاني، كان الحيط مهبط وما في حدا. هو ملهي بالناس. قلت لأروح مع النساوين، إذا طخني زي بعضها. مشيت مع الأولاد. الله عمى قلبو. ما مشيت 10 امتار أو أكثر، ولاّ إلتقيت بمره. صارت تترجاني. خفت الزلمة يناديلي. قالتلي بدك تشيل الزلمة. ما حدا طلع غيرك. وحطتني أمام أمر واقع. قلتلها طولي بالك وأنا بحملك إياه، بس روقي شوية. أعطيتها البنت وأنا نزلت تحت الرصيف وشحطناه. الزلمي صحتو مليحة: ناصح، بس مشلول. وأنا ما فيني أشيل 10 كيلو. حملتوا ومشيت. وكانت الناس تقطع لصرنا قريب عالمتحف، عند سكة الترين. كانوا يقطعوا الناس، لوصلت أنا. قالوا بس اللي بيقطع رح نقوصو. نزل الزلمة وأعطتني البنت، بقينا نص ساعة. بعدين إجوا شي 15 واحد وصاروا ينقوا شباب من بين الناس ويصفوا اللي طلعوا على جنب. شوي ولا جاي مرة حاملة بنت صبية والدم عم ينزل من إجريها: مصاوبينها بإجريها، وقالت لواحد منهم اللي كانوا على الطريق: يا خالتي خليني أقطع بهالبنت. قلها شو كاينة بالحرب؟ قالتلوا لا كنا بالطرمبة وتصاوبت.. صارت تترجاه: الله يخليلك شبابك. قلها: روحي، بس إذا تقنصت ما دخلني. قالتلو: بسيطة ولا يهمك، بس خلينا نمر. بهذيك الفترة كنت أتطلع: عاملين متاريس على السطوح والبرندات على جنبنا. وكل ما يجي ولد طويل ياخذوه صوب اوتيل ديو وهذاك وجه الضيف. إجتني فكرة قلت للمرة شفتي المرة اللي قطعت ببنتها؟ قلتلي شفتها. قلتلها خلينا أحمل الزلمة بلكي قطعنا فيه. قالتلي لا. وصلتلي إياه لهون خلص يكثر خيرك، بعد علي شوي بقطع فيه. صرت أترجاها زي ما كانت تترجاني. عنّدت. أنا كان عمري شي 30 سنة، بعز شبابي. النسوان اللي جنبها صاروا يقولولها: هلق رح ياخذوه. أقنعوها. خليه يوصلّك اياه. بلكي بحسنتو بيطلع هالزلمة. قد ما نقّوا عليها النسوان، المرة لانت. قالت معليش. وكيف بدّك تشيلو وتشيل البنت؟ قلتلها: خلي البنت معاكي وإذا طلعنا طيبين، مصيرنا نتلاقى. قالت طيب وقبلت. الزلمة مشلول خالص وكبير بالعمر وما كان قصدي أقتل زلمة أو أعوره، قلت هلق إذا شافوني زلمة، بدهم يقنصوني أكيد.. لان هديك المرة نفذت لإنها مره. بس أنا لإني زلمة بدهم يقنصوني. قلت إذا بقنصوني بتطب بالزلمة على ظهري، بكون وصلت نص الطريق وبزحف للجهة الثانية ورا الدبابة اللي بوجهي. والله مشيت بالزلمة.. ربك حميد ما صار شي لورا الدبابة وقمت نزلته. وقام الزلمة نزل تحت بالقناية عاملينها عشان يفوتوا عالدبابة. طلع علي واحد سوداني وصار يشبّرلي ليه دبيته. قلتلو أنا ما دبيته... وبعد شوي جاي اسعاف.. حطونا فيو وعالغربية أنا والزلمي».
قصة حسين لم تــنته، فبـــعد قرابة 31 عاما على مجرزة تل الزعتر تكررت مأساته مع مشـــوار جديد من الألم عندما اندلعت الحرب بين «فتح الاسلام» والجيش اللبناني عام 2007 حيث دُمر منزله وبقية منازل المخيم تدميراً كليا من دون أن يكون لهم في هذه الحرب ناقـــة أو جـــمل. وما زال حســـين عيادي ينتظر إعمار منزله بعد 5 سنوات على تدميره تماما مثلما ينتظر ضحايا مـــجازر تل الزعتر وصبرا وشاتيلا " العدالة.
[نشر المقال للمرة الأولى ضمن ملحق "فلسطين" في جريدة السفير. جدلية تعيد نشره ضمن إتفاقية شراكاة وتعاون مع "السفير".]